الحب كلمة رقيقة ترتاح لسماعها النفس ونعيش جميعنا على هذا نبحث عن الحب وليس المادة كما يعتقد الكثيرون، الحب ميزان الحياة والشخص السوي المتزن نفسيًا هو من يستقبل الحب بشكل سليم ويرده على نطاق أوسع على من حوله.
الحب ليس المقصود منه الحب بين الحبيبن فقط لإشباع رغبات محددة وليس الحب هو احساس بالإحتياج للغير فقط، ولكن للحب أنواع كثيرة وليست بين البشر نراها حولنا في كل شيء بل بين الحيوانات والطيور والجمادات أيضًا.
هل الحب صفة يمكن اكتسابها؟
نجد سؤالًا مهمًا هل الصفة يمكن اكتسابها أي أن الحب موجود بالفعل بداخلنا لذلك يمكننا أن نصنف الحب لصنفين.
1- حب فطري :
وهو ما نشأنا عليه، ولدينا جميعنا محبين للخير نزرع بداخلنا بذرة الخير منذ نعومة أظافرنا مادمنا بشرًا ونشعر ونخاف ونتألم ونضحك ونبكي فأيضًا نحن نحب، نحب كل شئ من حولنا. نحب شروق الشمس والورود بألوانها، نحب الحيوانات الوديعة كالقطط ونحب ضحكة أمي وحنان أبي ولعب أخواتي.
نشأنا هكذا على كل شيء جميل
- نحكي مشهد لطفل لا يتجاوز الرابعة من عمره عندما هم والده لذبح دجاجة لإطعامه، يصرخ الطفل ويأخذ الدجاجة ليمنع والده من ذبحها.
- وطفلة رفضت أكل اللحوم عندما علمت أن تلك اللحوم كانت حيوانًا وبكت كثيرًا لأنها اعتبرتها قسوة من والديها.
- طفلة تبكي وتستعجب من والدها ورفاقه عند ذهابهم لرحلة صيد الطيور فكيف لكائن ضعيف مثل الطير أن يستمتع الناس بقتله.
نستنج من هذه القصص أن الحب فطرة قبل أن يكون وعيًا فمعرفة الأطفال بالحب هنا ليست كاملة وليس لديهم إدراك كامل لمفهوم الحب لديهم، فهم ليسوا مخيرين في أن يحبوا أو لا يحبوا، فالمعرفة والوعي خارجين عن السيطرة على المشاعر ولم يتم اكسابهم هذا الشئ، فهم يرون أن الصيد أو الذبح من أجل الطعام أو التسلية يعني القتل والقتل شيء بشع فلا يجوز ممارسته على أحد حتى لو من أجل الطعام.
ولكن المجتمع والأسرة والجو المحيط ولنا هو فقط من يعزز صفة الحب وغيرة من صفات الخير داخل قلوبنا ويقويها ويخرجها في صورة محدد
2- الحب المكتسب
نرى كثير من الفلاسفة الذين رأوا أن الحب صفة مكتسبة وتكتسب من خلال الوعي والمعرفة والإدراك لمفهوم ما هو أمامنا، وللمجتمع اليد الطولى في تنميته أو قمعه فالطفل الذي يولد في بيئة غير صحية يكثر فيها القمع وعدم التعبير عن رأيه يعجز عن ممارسة حريته.
رأى بارسيليوس أن من لا يعرف الحب لا يحب شيئًا ومن لا يستطيع فهم شيئًا ولا يفهم أحدًا ومن لا يفهم شيئًا لا يفعل شيئًا ومن لا يفعل لا قيمة له في الحياة، ومن يفهم فإنه يحب ويلاحظ ويري وكلما إزدات المعرفة بشيء زادت المعرفة وزاد معها الحب حتى يكون شيء عظيم.
لو اتخذنا على سبيل المثال قصة أحد الأطفال السابقين ووضعتها أمام رأي الفلاسفة الذين يرجحون أن الحب صفة مكتسبة، نجدهم يرجحون أن غريزة الأطفال غير كافية لكراهية قتل الحيوانات وإنما هم يرون أن المعرفة والإدراك بماهية القتل هم من جعلهم يصرخون لهذه الدرجة ومحاولة منع ذويهم ممارسة مثل تلك الأفعال
يرى أحد الفلاسفة أن الحب يتوقف على أمرين أساسيين :
– المقدرة على الحب أو ملكة الحب
– التمكن من الحب
فالأولي تتعلق بالبنية النفسية والنمو العاطفي واتزان الشخص وجعله شخص مستقبل للحب بشكل جيد.
والثانية هو جعله من الحب سلوكًا قويمًا ويعتمد هذا على البيئة التي يحياها هذا الشخص.
هل للمجتمع والتعلم دخل في شكل الحب؟
نعم للمجتمع دخل كبير في تنمية الحب وجعله في صورة بناءة للمجتمع فالمجتمع الذي يكثر فيه المثالية نجد الشخص محب لجاره ومجتمعه لديه الشجاعة وحب الكرم وحب الخير للناس فيكون مجتمع بناء لكل شيء يخلق منهم رجالًا أقوياء فالحب صفة بناء لا هدم.
والمجتمع الذي تقل فيه صفة الحب يقل فيه الخير وتظل حضارة عقيمة يسودها الصمت والعدوانية والكراهية وعدم النظام، فالكراهية نار تأكل الخير أينما حلت ويكثر حولها القتل والجبن والذل والخراب ويكون مجتمع الكراهية عرضة للضياع.
الحب في المجتمعات الإسلامية:
نرى الإعلام البغيض الذي ينفر الناس من الإسلام يصور لنا أن كلمة حب وطيبة ورأفة ليست موجودة بمجتماعتنا المسلمة للأسف الشديد، ولكن منذ أن أرسل على هذه الدنيا رسولنا الكريم دعا الناس بالحب ورحمة وجمعهم على صفاته الكريمة ومناهم بالخير في الإسلام.
وكانت منذ البداية شعار الإسلام هو الحب في الله ولله وحب بعضنا والإيثار والمثل العليا التي ترقى بنا لأن نكون من أهل الجنة، حث الرسول صلى الله عليه وسلم على حب الزوجة وحب الجار ومعاملته بالمعروف حتى لو كانوا أسرى من غير الإسلام حب الطير، عرفنا محمد الكريم أن الحب له أجر حينما قال: “حب لأخيك ما تحب لنفسك”
ولكن نسأل أنفسنا هل فجأ محمد صلى الله عليه وسلم الناس بكلماته ودعوته للإسلام ؟ هل كان شخص لا يعرفوه مسبقًا؟ محمد صلى الله عليه وسلم كان عظيم الخلق لين الجانب محب لكل من حوله حتى أن غير المسلمين أحبوه وصدقوه ودافعوا عنه وإن لم يؤمنوا به كما فعل ملك الحبشة
وأعطانا الإسلام للحب مسميات راقية، فسمي الحب بين الزوجين ( رحمة ومودة) ولم يسميه رغبة جنسية لبقاء النوع، فالإسلام دين الحب والحياء، وسمى حب الأم والأب لولد فطرة، فالحب موجود في كل الأديان منذ أن خلق الله تعالي أدم عليه السلام إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها.
حب الآباء للأبناء صفة مكتسبة؟
للاجابة على ذلك يجب أن نسأل أنفسنا أولًا: هل رأينا مسبقًا أمًا تتعلم كيف تحب أبنائها ؟ بالطبع لا فمع أول حركة للجنين في رحم أمه وعلى الرغم من المشقة، تفرح الأم وتقلق إذا قلت حركة الجنين التي تؤلمها وتنسي ما عانته من الآلم عند استهلاله لها وتريد أن تحتضنه مدى عمرها، لذلك كان حبها غريزي فطره الله عليها فلا هي تحتاج لتعلم أو نصح لتعرف كيف تكون أمًا سواء كانت بشر أو طير أو حيوان.
الأب كذلك حبه غريزي لأبنائه ولكن طبيعة الذكور لا تتغلب عليهم العاطفة كالأنثي فحبه لوجود ابنه يكون تدريجى، يربي الرجل ابنه بشده ليس عدم محبه وإنما عاطفة الرجل غير المرة وطبيعة الرجال القوة وطبيعة المرأة اللين، وكما قال أحد الشعراء: فإن رحمت فأنت أم أو أب ****** هذان في الدنيا هما الرحماء.
هل حب الأبناء للأباء مكتسب أم فطري؟
حب الأبناء للأباء مكتسب ويدخل تحت بند تشكيل المجتمع للشخص، الإبن يكبر على حب والديه له فليس هو محتاج أن يعاني أو يظهر جانب الخير فيه حتى يثبت لهم أنه جدير بهذا الحب والعطاء منهم، لكن يجاهد الآباء حتى يعلموا أبنائهم كيف يحبونهم ويسمي الإسلام حب الأبناء هذا ببر الوالدين ويكون له أجر عظيم لما فيه من مشقة الإيثار.
ويأتي عقوق الوالدين من البعد عن الدين وكره الأبناء لوالديهم لا يزرع بداخلهم الكراهية لأبنائهم وإنما الإنكسار والحزن منهم، فهنا نجد أن الحب سواء فطري أو مكتسب فهو أساس متين لأي علاقة في هذه الحياة التى خلقنا فيها فبالحب ترقي الأمم وتصنع الحضارات………………